متى نحقق الإنطلاقة

الإجابة على هذا السؤال المهم والجوهري تتطلب بدورها الإجابة على ثلاثة أسئلة حساسة وهي ما يعرف في اللغة الإنجليزية بـ (WWH) أي WHAT-WHY-HOW فالإجابة عن أسئلة: ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ كفيلة بأن تعبَد لنا الطريق للوصول إلى العلاج الشافي لداء الوهن الذي أصيبت به الأمة العربية..
فحل أي مشكل سواء كان نظريا أو عمليا يجب أن ينطلق من التعريف به والإحاطة بكافة تجلياته ، لنصل في المرحلة الثانية إلى تشخيص الأسباب المباشرة وغير المباشرة للإشكال والتي وبناء عليها - أي الأسباب – يمكن الوصول للكيفية التي بها نستطيع الخروج بنتائج وحلول ناجعة وناجحة ووضعها حيز التنفيذ،ويمكننا بعدها الجلوس وتناول فنجان شاي والاستمتاع بما حققناه من نجاح ....
مــاذا؟ (WHAT):
حال الأمة الإسلامية عموما لا يسر شقيقا ولا صديقا وحال الأمة العربية أكثر تهالكا منها فلا تزغرد أمٌّ هنا حتى تبكي عشرات هناك وما تكاد تبتسم طفلة في الجزائر حتى تصيح بالبكاء عشرات البريئات في فلسطين ، ومن كبوة إلى نكسة إلى نكبة تمر السنوات ونزداد نحن العرب تخلفا وجهلا و غفلة ؛ ويزداد غيرنا تقدما وعلما ووعيا، نأكل مما لا ننتج ونلبس مما لا ننسج ونركب ما لا نصنع ، يزداد العالم تكتلا ونزداد فرقة ؛ يفكر كل الناس بأدمغتهم إلا نحن فبأرجلنا ؛تجمعنا راقصة وتفرقنا كرة، يستقيل وزراؤهم لمجرد إرسال رسالة قصيرة لأحد المسؤولين يطلب منه خدمة بسيطة جدا فيتهم باستغلال السلطة، ويرزح فوق صدورنا وزراء ورؤساء لعشرات السنين دون أن يتحرك ضمير أحدهم ويشفق على السيد عربي ويترك قليلا من الهواء يدخل رئتيه، ندعي الإسلام ونتكلم باسمه ثم نمزق بكارة اسلامنا لمجرد خسارة مقابلة كرة؛ ويصنع غيرنا محمولا مضادا للماء ويشحن بالطاقة الشمسية؛ ونشتري نحن الرسيفرات ونتنافس في فك شفرات القنوات الفضائية ....
أزمتنا نحن العرب هي أزمة افتقاد مشروع وطني (أجندة وطنية) تداعت تأثيراتها على المواطنين وبالتالي خسروا مواطنيتهم وحوَلوا انتماءاتهم وولاءاتهم لمصالحهم وفرَطوا في الوطن؛ فأفسدوا وسرقوا وارتشوا واختلسوا، لذا فلسان حال شعوبنا العربية تنطق بلسان الشاعر الكبير أحمد مطر وتقول :

لمن نشكوا مآسينا؟... ومن يُصغي لشــكوانا ويُجدينا؟ أنشكو موتنا ذلا لوالينا؟ وهل مــــوتٌ سيحيينا؟
قطيعٌ نحنُ.. والجــــــزار راعينا ...ومنفيون... نمشي في أراضــينا...ونحملُ نعشنا قسرًا .. بأيدينا!!!
ونُعربُ عن تعازينا...لنا.. فينا...فوالينا ـ أدام الله والينا ـ رآنا أمةً وسطًا!! فما أبقى لنا دنيا..ولا أبقى لنا دينا...

هذا هو حالنا اليوم ..ولمن يتساءل عن الأسباب...أقول هو أكبر سؤال ويستحق أكبر إجابة...
لمــاذا؟ (WHY):
تعيش كل دولنا العربية في ظل أنظمة شمولية وغير ديمقراطية، يتمثل حراكها السياسي فقط - إن وجد- في مجموعة أحزاب تظهر فقط أيام الانتخابات لتلمع وتشرعن استمرار الزعيم في الحكم؛ أو في برلمان ينفع فقط لبيع الكلام وابتياع الريح...! وحتى لا نتهم بالتعجيز – لأن النهضة وتحقيق الانطلاقة لا تحكمها فقط ديمقراطية النظام من عدمها بالرغم من دورها الكبير- فإن أسباب نكوص أمتنا وتقهقرها وتخلفها يكمن في العوامل التالية :
عــــــــوامل دينية
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؟ وما دمنا بعيدين عن منهاج ربنا وتعاليم ديننا الحنيف؛ وقريبين من قبضة الطين مبتعدين عن نفخة الروح ؛لازلنا على حالنا من التخلف والجهل ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، لذا فلن تقوم للعرب والمسلمين قائمة ماداموا يفضلون شرائع وضعية على شريعة الله وماداموا يرون في الغرب الملهم والقدوة .
عـــــــوامل سياسية
لن أكون مبالغا إن قلت بأن الإرادة السياسية تأتي مباشرة بعد الإرادة الإلهية في الأهمية والتأثير، وليس أبلغ في التعبير من الأثر الذي يروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" وهو لا يقصد هنا بأن السلطان فوق القرآن وإنما يقصد بأن للسلطان - وبالتالي الحاكم أو الملك أو رئيس الدولة – القدرة على توجيه شعبه نحو الوجهة التي يريد بما يمتلكه من أجهزة أمنية، تنفيذية، تشريعية وإعلامية، فيمكن للسلطان أن يقود شعبه لتصنيع القنبلة النووية وهو -أي الشعب- لا يملك قوت يومه ولنا في تجربتي الهند وباكستان المثل الأكبر، كما أن التجربة العراقية في تصنيع عديد الصواريخ وغيرها من التقنيات الحربية أثناء مروره بأصعب فترات تاريخه لدليل آخر على ما قلناه .
وكما أكدنا مسؤولية هرم السلطة في توجيه شعبه نحو التقدم التكنولوجي والتطوير الاقتصادي فإن هذه المسؤولية تتوزع على عدة قنوات منها:
• منظومات التعليم:
منظوماتنا التربوية دخلت غرفة الإنعاش ولم تعد تنفع سوى لإنتاج أجيال مستعدة – وفي أي لحظة- أن تحتمي بشهاداتها عند هطول المطر. فلا مستوى المعلم يسر ولا حالته الاجتماعية أيضا؛ ولا حال التلاميذ المر ولا عقلياتهم المعبأة بيضا..؟؟ برامجنا التربوية اتهمت بتخريج إرهابيين وخشي المسؤولون على كراسيهم فانبروا مداهنين، وأصبحت أيام راحة التلميذ أكثر من أيام دراسته فاليوم إضراب النقابة الفلانية وغدا إضراب النقابة العلانية؛ ومن إضراب إلى إضراب إلى إضراب تنتهي السنة و...؟؟؟
• مستوى الجامعات العربية:
لا تتفاجؤوا إن لم تجدوا أي جامعة عربية من بين الـ 100 جامعة الأولى في العالم ولا تتفاجؤوا أيضا إن وجدتم جامعات إسرائيلية من بين المراتب الأولى؛ فالعهد الذي نعيشه هو عهد الانحطاط لا محالة والخطاب الذي نلوكه هو خطاب الجِزَم والشتائم والتدني العلمي والخلقي والمهني، جامعاتهم تفوقت لأن الخيار هو خيار دولة والإستراتيجية هي إستراتيجية مجتمع، ونحن تقهقرنا لأن أساتذتنا يشكلون فرق بحث لا للبحث بل للمنحة التي تمنح لهم مقابلها؟؟؟ وتكاد تأخذ الممحاة -إذا ظهر أحدهم على الشاشة ليهرف بما لا يعرف- لتمحي حرف الدال المكتوب قبل اسمه !! لا بحث علمي ولا إنتاج معرفي والكل يلهث وراء سويعات إضافية حتى يستطيع دفع أقساط السيارة أو الشقة، والطلبة على شاكلتهم فهذا الشبل من ذاك الأسد!! وأبلغ مثال على مخرجات جامعاتنا أن يأتيك شاب جميل المنظر أنيق الهيئة ليطلب منك أن تكتب له طلب بخط اليد لتكتشف وأنت تكتب أن هذا الشاب متخرج من الجامعة بشهادة "اللـ يـ سا نـ س" ؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
لا أريد أن أظهر محترفا في جلد الذات ولا أريد أن أضع كل اللوم على الأستاذ والطالب في هذا السبات.. فالدولة تتحمل العبء الأكبر في هذا، فلا يتقاضى الأستاذ الجامعي عندنا ربع ما يتقاضاه أساتذتهم، فلا تستغرب إذا وجدت أستاذا يستقل الحافلة للتنقل إلى الجامعة كما لا تستعجب إذا ركبت تاكسي ووجدت السائق مألوفا لديك..نعم.. إنه الأستاذ الذي درسك السنة الماضية ..يا الله .. لا أستطيع تصور باقي الأحداث... !!!! إذا وجدت أستاذا يسكن منزلا محترما فهو إيجار وإن هو ساكن في فيلا فمن الاتجار.. وهات وهات من هذه الأخبار وتلك الأسرار؟؟؟.
• رقابة الدولة وتطبيق القانون:
لا أريد أن أرجع إلى نظرية العقد الاجتماعي لأبرهن أن الأفراد تنازلوا على جزء من حرياتهم حتى تقوم " الدولة " بحمايتهم والحفاظ على حقوقهم، وكما لا أريد أن أرجع إلى ماكس فيبر وحق الدولة في احتكار العنف وبالتالي السلطة القهرية؛ والتي بدونها سوف لن يقوم لأي نظام قائمة فالعدل أساس الملك... ولكن نحن لدينا ملكا بدون عدل ؟؟ ولا أعرف كيف استقام هذا الأمر ..
فثقافة الرشوة والمحسوبية والمحاباة ( المعريفة) استشرت في جسد الأمة العربية وأصبحت القاعدة في التعامل سواء للنجاح في مسابقة ما أو للحصول على صفقة أو مشروع ما، وأصبح أي مسؤول يتعامل بمنطق أنا ربكم الأعلى فكأني بهم رؤساء أو وزراء؛ لا يخافون عقابا ولا يخشون محاكما ولا يهابون رقابة ..طبعا فالرقابة والقانون مسلّطان فقط على رقاب المواطنين الشرفاء والبائسين الضعفاء .
عــــــــوامل ذاتية ومجتمعية
إن من بين أخطر الأمراض التي تصيب المجتمع استمراؤه لحياة المهانة والتخلف والجهل وتعوّده على أخلاقيات الزمن "غير الجميل"؛ بل وتعامله بها، فلم يعد يرى الناس قبحا في كلمات من قبيل: البيروقراطية، المحسوبية، المضاربة، الرشوة..عفوا..القهوة، الفساد السياسي..وغيرها من مفردات التخلف والتهالك السياسي والإداري والاقتصادي.
إن الدور الذي كان يجب أن تقوم به أطراف عديدة في المجتمع لم يكن أداؤه في بالمستوى والتأثير المطلوبين؛ فمؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب ونقابات وحتى إعلام تعاملوا مع الواقع العربي كالهاوي من على البرج - فبحكم العلو الشاهق يموت بالسكتة القلبية قبل الارتطام بالأرض- لذا كانت معالجتها لمواضيع الفساد، التخلف الاقتصادي، الزراعي وضعف التعليم بمنطق الأمر الواقع وبسطحية كبيرة؛ بل في أحيان كثيرة كانت هذه المؤسسات -إن صح أصلا تسميتها كذلك- تبرر فشل الأنظمة في معالجة هذه الملفات فطبّلت وزمّرت والقليل منها احتشمت .
كيـــــف ( HOW):
الحل أو الإجابة عن أي مشكل غالبا ما تكون سهلة أو على الأقل موجودة وكما يقول " اينشتاين " أن المشكل الذي ليس له حل هو مشكل مطروح بشكل سيئ ("Un problème sans solution est un problème mal posé")؛ لذا يبقى فقط السهر على تنفيذ الحلول ومتابعتها ، ومنه فالإجابة عن السؤال الذي طرحناه كعنوان للموضـــوع " كيف ومتى نحقق الانطلاقة " ليس بالصعوبة بمكان ولكن يبقى الإشكال في التنفيذ، ومنه فالإجابة تتلخص في المعادلة التالية :

[url=
ولكن في الأخير يبقى السؤال المحير كيف ومتى تتوفر الإرادة السياسية ويتغير منطق الحكام والأنظمة العربية..؟؟..
الكاتب: أ, بوحامد علي

لا يجب انتظار التغيير من السلطة بل يجب ان نغير نحن من عاداتنا لان التغيير في المجتمع يبداء من الانسان في حد ذاته غير في نفسك تغير في مجتمعك

الكل أخي علي يرفع شعار التغيير لكن المشكلة تكمن فيمن لديه ورقة عمل واقعية لإحداث التغيير المنشود

[quote="أمل الحياة"][b][size=18]أخي الكريم مشكورا وجزاك الله كل الخير لإحاطتك الشاملة لوجع الأمة الإسلامية

أ

فأطروحتك هذه كأنها شخص مريض يتألم ويصرخ بصوت عال وعندما سؤل

ما بك يا هذا فرد قائلا بأن جسمه كله يتألم, ومن أجل علاجه فلا بد أن يحدد أماكن

العلل تدريجيا واحدة بواحدة................



عودة ميمونة واطلالة ناجحة